اللواء اح أشرف فوزى الخبير الامنى يكتب في ذكرى رحيله… أفريقيا في فكر جمال عبد الناصر
اتفقنا حول جمال عبد الناصر أو اختلفنا في الدائرة العربية، فإننا لا نمتلك عند النظر إلى الدائرة الأفريقية في فكر الرجل إلا التوقف ملياً أمام تجربته العربية الوحيدة والفريدة تجاه القارة الأفريقية.
عندما تعصف المتغيرات بالدول والشعوب، تستدعي ذاكرتها الزعماء الذين مروا وعبروا وتركوا بصماتهم، والرئيس جمال عبد الناصر الذي تمر الذكرى ٥٤ لرحيله واحد من أهم الرؤساء العرب الذين ما زالت ذكراهم حاضرة وعالقة في وجدان الشعوب العربية والأفريقية.
وقد كان أول من تنبه من الرؤساء العرب إلى أهمية القارة الأفريقية على نحو عام وضرورة التعاون معها على وجه الخصوص، وأشار، وفي وقت مبكر، إلى ضرورة الانفتاح على القارة الأفريقية وتفعيل العلاقة معها فيما كانت بلدان القارة بمعظمها ترزح تحت نير الاستعمار الأوروبي.
حدد الرئيس جمال عبد الناصر محددات فكره وممارساته تجاه القارة الأفريقية باعتبارها الدائرة الثانية في سياساته الخارجية في كتابه “فلسفة الثورة”، قائلاً: “إننا لن نستطيع في حال من الأحوال، حتى لو أردنا، أن نقف بمعزل عن الصراع الدامي المخيف الذي يدور اليوم في أعماق أفريقيا بين ٥ملايين من البيض و٣٠٠ مليون من الأفريقيين.
لا نستطيع لسبب هام وبديهي، هو أننا في أفريقيا. ولسوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا، نحن الذين نحرس الباب الشمالي للقارة، والذين نُعدّ صلتها بالعالم الخارجي كله. ولن نستطيع في حال من الأحوال أن نتخلى عن مسؤوليتنا في المعاونة بكل ما نستطيع على نشر الوعي والحضارة حتى أعماق الغابة العذراء”.
تفرد فكر عبد الناصر بالإدراك المبكر لأهمية القارة الأفريقية، بالنسبة إلى مصر والمنطقة العربية، وذهب في هذا الإدراك إلى خطوات عملية، إذ يحسب لعبد الناصر الملقب بـ “أبو أفريقيا” أنه تبنى تقديم الدعم المادي والعسكري والسياسي لحركات التحرر الوطني في القارة الأفريقية والمساهمة في دعم استقلال ٣٤ دولة أفريقية ما بين العامين ١٩٥٣-١٩٦٧، إلى جانب توثيق علاقاته الشخصية مع قادة وزعماء حركات التحرر الوطني الأفريقي، بل إنه ليس من المبالغة القول بأن عبد الناصر هو عراب العلاقات العربية- الأفريقية، وهو أول من فكر وتحرك ودشن جسور هذه العلاقات.
يذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه “سنوات الغليان”، أنه خلال المؤتمر الأول لمنظمة الوحدة الأفريقية في ١٨ تموز/يوليو ١٩٦٤، وعقب إصرار عبد الناصر على أن تكون أديس أبابا مقراً لمنظمة الوحدة الأفريقية، عاتبه الزعيم الغاني، كوامي نكروما، متسائلاً: “لماذا أديس أبابا وليست أكرا”، وبعد مناقشات اقتنع الأخير وتفهم رغبة عبد الناصر، الذي كان دافعه الاعتراف والعرفان بدور هيلاسيلاسي آخر أباطرة إثيوبيا في دعم حركات التحرر الوطني؛ ليُسجل تاريخياً أن اختيار أديس أبابا لتكون مقراً لمنظمة الوحدة الأفريقية كان قرار عبد الناصر الذي تولى رئاسة