سياسة واقتصاد

تقييم دور القوى الفاعلة في الساحة السورية المحسوبة .. د. محمد المهدي

تقييم دور القوى الفاعلة في الساحة السورية المحسوبة على المحور السني في ضوء طوفان الأقصى وديمومة الصراع العربي الإسرائيلي

يعتبر الصراع مع الكيان الإسرائيلي المحتل واحدًا من أكثر القضايا تعقيدًا وتأثيرًا في الشرق الأوسط، وقد شهد أشكالًا متعددة منذ تأسيسه وحتى اليوم. ومع ذلك، فإن التاريخ المعاصر، وخصوصًا الأحداث التي تلت 7 أكتوبر وما نتج عنها من طوفان الأقصى، أضاف أبعادًا جديدة لهذا الصراع. فقد أظهرت هذه الأحداث مدى الجهد المبذول من قبل مستشارين عسكريين وتنسيقات معمقة من القوى الفاعلة التي تتبع المحور الشيعي، والتي عملت على تحقيق مكاسب عبر التسلل إلى عقول العرب والمسلمين، حيث تقدم إيران نفسها كمدافع عن المقدسات الإسلامية ومواجهة الأطماع الغربية. لكن الواقع يعكس تواجدًا إيرانيًا متزايدًا وتعاظم قدراتها العسكرية في الإقليم وقضم الأراضي العربية التي تمثل عمق العالم العربي.

تعتبر إيران أن سوريا ومصر هما رئتيها، حيث أن الشريان المتصل هو العراق. هذا يعكس أهمية هذه الدول في الاستراتيجية الإيرانية، حيث تمكنت إيران من تحقيق مكاسب في سوريا، وهي الآن تسعى لكسب الرئة الثانية، وهي مصر.

لم يكن اختيار استهداف العراق عشوائيًا، بل يعكس بداية تنفيذ مخططات كبيرة حولت إيران إلى لاعب رئيسي في الساحة الإقليمية، في وقت كانت الدول العربية المركزية مشغولة بترميم جبهاتها الداخلية وبناء قدراتها. فقد شهدت معظم الدول العربية تدخلات معقدة، مما ساهم في تبديد قدراتها وتشتيت جهودها.

من الملاحظ أن هناك تنسيقات واضحة بين التحالف الغربي وإيران منذ إسقاط العراق، حيث تم دعم المد الشيعي دون تصنيفه كإرهاب، مما أعطى إيران فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن الوضع في سوريا شهد تغييرات ملحوظة بعد الهدنة التي تمت بين حزب الله وإسرائيل في 27 فبراير 2024، مما يمثل إعادة تنظيم القوى الإقليمية ومحاولات لإعادة بناء المحور السني وإعادة تنظيم القوى الفاعلة فيه.

تتعامل إيران مع الإدارة الأمريكية بمهنية، حيث أدركت أهمية كسب الوقت لإعادة ترتيب أوضاعها وبناء قدراتها، مما يجعلها تبدو كقوة تصد المواجهات. ومع ذلك، يتم توظيف هذا التكتيك لإلقاء اللوم على القوى الفاعلة المحسوبة على المحور السني، مما يعزز الانطباع بأنها تعمل كعملاء للكيان الإسرائيلي.

لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية بامتياز، ويتوجب على العرب التصدي لصراعهم. وفي ظل هذه الأوضاع، فإن على القوى السنية الفاعلة في سوريا أن تنظر في النتائج المترتبة على تحركاتها ومدى تأثيرها على القضية الفلسطينية، خاصة في ضوء الأفعال التي ارتكبتها القوات المدعومة إيرانيًا.

إن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الدولة السورية والعالم الإسلامي نتيجة تفتيت الدولة السورية وزيادة النفوذ الإسرائيلي، قد استخدمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة كلا المحورين: تار في العراق وإسقاط صدام حسين باستخدام المحور الشيعي، وتار في سوريا وإسقاط بشار الأسد باستخدام المحور السني.

لذا، ندعو إلى إعادة تقييم دور القوى الفاعلة المحسوبة على المحور السني. ويتطلب الأمر مراقبة دقيقة لتوجهاتها ونتائج تحركاتها قبل إصدار حكم نهائي حول دورها وتأثيراتها السياسية والعسكرية في الصراع العربي الإسرائيلي.

يجب الاعتراف بأن التحديات التي تواجهها القوى السنية في المنطقة تتطلب استراتيجيات مدروسة، تستند إلى فهم عميق للواقع الجيوسياسي، وتستطيع أن تضمن تحقيق المصالح العربية والإسلامية. والخروج من دائرة الاستخدام كوكيل للأمريكيين، حيث أن المحور الشيعي قد استُخدم ليحقق أهداف القوى الكبرى في إسقاط الدولة المركزية في العراق بلا مكاسب لهذا المحور، بل كان بمثابة مورد للطاقة لتحقيق مصالح الآخرين.

فهل تتبصر القوى الفاعلة المحسوبة على المحور السني وتتجنب الأخطاء السابقة، أم ستظل شريكًا أصيلًا ليس له إلا أن ينفذ؟ إن العبرة ستكون بنتائج حركتها، ومعيار ذلك هو المكاسب التي تحققها للأمة العربية والإسلامية في صراعها مع عدو متربص يتجذر ويتوسع بلا رادع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×