منوعات وفنون

جوهر العلاقات .. للكاتبة د.سوزان رفعت البارودي

في زمنٍ صارت فيه العلاقات سريعة… والتواصل أسهل من طرف إصبع،
صار من الصعب أن نجد ما يثبّت القلب في علاقة، وما يُشعرنا أننا مرئيون بحق.
لم نعد نفتقر إلى الكلمات بقدر ما نفتقر إلى المعنى الذي خلف الكلمات.
نعيش علاقاتٍ نتحادث فيها كثيرًا… لكن نُصغي قليلًا.
نلتقي فيها بأجسادنا… لكن لا نحضر بقلوبنا.
نُخطط، ونتشارك، ونسمي هذا “علاقة”…
لكن شيئًا ما يبقى ناقصًا، غائبًا، هشًا.
ذلك الشيء الغائب… هو الجوهر.
الجوهر الذي لا يُقال، بل يُشعر.
لا يُرى، بل يُلمس في سكون العين، وصدق الحضن، وهدوء الرفقة.
وفي هذه الحلقة، لن نتحدث عن مهارات العلاقة أو قواعدها…
بل سنفتح الباب على مصراعيه لما هو أعمق، أصدق، وأبقى:
جوهر العلاقات…
تلك البصمة الخفية التي تصنع من بين اثنين، وطنًا لا يُمس.
ف البداية نتطرق لشرح عبارة “جوهر العلاقات” تلك التي تحمل في طياتها كل ما لا يُرى بالعين… لكنها تُشعر به الأرواح.
إن جوهر أي علاقة إنسانية، سواء كانت حبًا أو صداقة أو قرابة، لا يكمن في عدد السنين، ولا كثرة الحديث، ولا في الصور والمناسبات…
بل في الجوهر: ذاك الشيء الهادئ، العميق، الخفي أحيانًا، الذي يشبه الرائحة التي تسبق الحضور، أو الدفء الذي يسبق اللمسة.
جوهر العلاقة هو ما يبقى عندما تسقط كل الأقنعة:
حين لا نكون في مزاج جيد، ولا نُحسن الكلام، ولا نعرف كيف نُعبّر… لكن الطرف الآخر لا يغادر.
حين يرانا بضعفنا، بشتاتنا، بوجعنا… ويحبّنا كما نحن، لا كما نتمنّى أن نبدو.
جوهر العلاقة هو:
أن تُشعر الآخر أنه مألوف فيك، حتى وهو غريب عن العالم كله…
أن تطمئن لوجوده، حتى من دون كلام.
أن يراك كما لا يراك أحد، ويلمس ما لم تلمسه يد.
أن تضع رأسك على قلبه، لا على كتفه.
العلاقات تُبنى على اللقاء والتواصل ، لكن تتجذّر بالجوهر.
ولن تستمر علاقة خالية من الجوهر، حتى لو توافر فيها كل شيء آخر: الوقت، المال، الكلمات، الخطط…
لأن ما يربط الإنسان بإنسان ليس الرابط الظاهر، بل الرابط الجوهري:
أن أراك حقًا، وتَراني…
أن أشعر بك حين لا تتكلم…
أن أكون ملاذك، وتكون موطني.
الناس تبحث عن “علاقة ناجحة”…
لكن ما يصنع النجاح الحقيقي، هو وجود جوهر يربط بين روحين، لا مجرد رابط بين جسدين أو حديث بين عقلين.
ولأن جوهر العلاقات لا يُلمس بكلمة، ولا يُختصر في تعريف،بل هو فسيفساء من المعاني الرفيعة والمواقف الصغيرة والمشاعر التي تُروى همسًا…
سنبدأ معًا سلسلة من المقالات بعنوان: “جوهر العلاقات”
نغوص فيها في عمق كل ما يجعل العلاقة إنسانية بحقّ…
ابقَ بالقرب… فكل حلقة ستكون مرآة لما يحدث في عمقك،
ويدًا حانية تمسك بك وسط فوضى العلاقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×