منوعات وفنون

فن التجاهل .. بقلم هدوى محمود

في عالم يزداد ضجيجه يومًا بعد يوم، باتت القدرة على “التجاهل الواعي” واحدة من أهم المهارات النفسية والاجتماعية التي يحتاجها الإنسان للحفاظ على توازنه الداخلي. بين الضغوط اليومية، وتزايد الانتقادات، وانتشار الخطاب السلبي في منصات التواصل الاجتماعي، يبرز فن التجاهل كخيار ناضج وفعال لإدارة الانفعالات، وتفادي الانزلاق إلى معارك جانبية تستهلك الجهد والوقت دون طائل.

تجاهل لا يعني ضعفًا

يرى خبراء في علم النفس السلوكي أن التجاهل لا يعني الضعف أو الهروب، بل هو أحيانًا أعلى درجات القوة. هو قرار واعٍ بعدم التفاعل مع كل ما يطرأ، خصوصًا حين تكون النية من الطرف الآخر هي الاستفزاز أو جذب الانتباه السلبي.

ويؤكد الأستاذ محمد السالمي، الباحث في الصحة النفسية، أن التجاهل “يحرر الفرد من سطوة الآخرين، ويمنحه مساحة أوسع لتركيز ذهنه على ما يهمه فعلاً”، مضيفًا أن “الصمت المدروس يمكن أن يكون أبلغ من ألف رد”.

متى نتجاهل؟

يُعتبر التجاهل سلوكًا صحيًا في الحالات التالية:

عند التعرض لتعليقات سلبية لا هدف لها سوى الاستفزاز.

عند مواجهة أشخاص يتعمدون إثارة الجدل دون نية للحوار.

حين يصبح الرد مساهمة في نشر السلبية أو الفوضى.

عندما يُدرك الإنسان أن كرامته لا تُقاس بردّه على كل رأي.

لا لكل المعارك

الوعي بأننا لسنا مضطرين لخوض كل المعارك هو خطوة أولى نحو التحرر. تجاهل الإهانات البسيطة، أو تجاوز بعض السلوكيات المستفزة، قد يكون أذكى من محاولة الرد والدخول في صراعات لا تنتهي.

مهارة يمكن تعلمها

رغم أن البعض يمتلك هذه المهارة بالفطرة، إلا أن الآخرين يمكنهم اكتسابها بالتدريب، من خلال:

ممارسة ضبط النفس.

اختيار الكلمات والردود بعناية أو الامتناع عنها.

التركيز على ما هو إيجابي ومفيد.

الاستعانة بأساليب الاسترخاء الذهني مثل التأمل أو تمارين التنفس.

في الختام، يبدو أن فن التجاهل لم يعد مجرد خيار شخصي، بل ضرورة نفسية واجتماعية لمواجهة عالم سريع الإيقاع، مليء بالتوترات والآراء المتضاربة. هو ليس انسحابًا، بل انتصار هادئ على التفاهة، ورسالة صامتة مفادها: “أنا أختار راحتي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×