التعسف في استعمال الحق … المستشار مينا طلعت
لا يعيش الافراد داخل المجتمع الواحد و الا تنازع أفراده علي الحقوق الخاصه به، والسلطة الطامح لها، وتحقيق منفعته الفردية. واختلف الفقهاء وشراح القانون حول مفهوم الحــق؟ وقد عرف الفقيه البلجيكي دابان الحق هو :-” استئثار و تسلط “، حينما قال ديكارت:-” أنا أفكر اذا أنا موجود”، قال أيضا أحد فقهاء القانـــون:-” أنا أريد اذا فانا لدي حقــوق”.
فكل حق مثار في ظله تختبي ارادة توجهٌ نحو هذا الحق، فالحق هو سلطة الارادة وقدرتها علي الانتفاع، فنجد في معظم الاحــــوال أن الارادة تريد شيئا وقد لا يباح لها تحقيق ذلك قانونا، بسبب وجود قاعدة قانونية تحمي هذا الحق حتي لا تتحول الارادة الي سلطة غاصبة. وهذا ما حث عليه فقهاء القانون الروماني حين شرعوا هذه القاعدة القانونية التي تنص علـي:-” الغلو في العدل غلو في الظلم”. فالحق اذا بغي أشبه الباطل واستعمال الحق الي اقصي حدوده، يؤدي الي ظلم فاحش.
وهذه فكرة أخلاقية قالوها الرومان قديما حتي أصبحت قاعدة قانونية يتقيد بها الحق بتحقيق غاياته، وهو ما يقضي الرقابة علي تحقيق هذه الغاية. فكل فرد بالمجتمع له الحق في ان يستعمل حقه استعمال مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ للغير من ضرر. و اذا احدث ضرر للغير يكون قد انحرف عن غاية الحق أو ما هو معروف في الوسط القانوني بالتعسف في استعمال الحق.
الانحراف عن غاية الحق هو أساس موضوعنا، وقبل البدء فيه ينبغي طرح مجموعه من الاسئلة حتي يتسع الذهن الي المراد ايصاله وايضاحه. اذا كان للفرد حق ما واستعمل هذا الحق استعمالا طبيعيا. فهل اذا استعمل الفرد حقه، وتــأذي الغير بضرر نتيجه لهذا الاستعمال يُترك وشأنه أم يٌعاقب بسبب تأذي الغير منه؟ وفي حاله أذي الغير ، هل من حق الشخص المضرور تعويضه عن ما لحقه من ضرر ؟ هل القانون وضع حدود موضوعية حول استعمال هذا الحق، بحيث اذا استعمل شخص حقه لا يتسبب بضرر الغير؟ هذه الاسئلة للطرح ولا أجيب عنها هنا بل لتساعدك علي فهم هذه المقالة والمقالات القادمة بشأن هذا الموضوع المثار.
اختلف فقهاء القانون حول تحديد طبيعة التعسف؟ هناك جمع من الفقهاء انتقد بشدة هذا التعبير وقالوا انه غير دقيق واخرين اعتبروا التعسف تجاوزا لاستعمال الحق، واخرين قالوا ان التعسف هو والخطأ سواء، ومنهم من قال بأن التعسف وان كان يمثل الخطأ الا انه خطأ من نوع متميز او خطأ من نوع خاص. واخرين قالوا ان التعسف هو الخروج عن الاخلاق والمبادئ الاجتماعية.
لا خلاف حول تأثير الفلسفه علي المجتمعات، ونتج عن تأثر المجتمع بالفلسفة الفردية ظهور مرادفات لغوية مثل الاستئثار و التملك والحق الفردي للشخص، وبدأ يتشكل وعي الانسان حول مفهوم الملكية الفردية والتسلط ونتج عن ذلك أيضا التعسف في استعمال الحق فعلي سبيل التوضيح :-” فاذا استعمل الشخص حقا معينا كحق الملكية او حق الارتفاق او حق الرهن او حق الدائنيه، فجاوز الحدود المرسومة للحق الذي يستعمله، بأن بني في ملكه مجاوزا حدود هذا الملك، او فتح مطلا او مسافة ممنوعة قانونا او قيد رهنا بأكثر من الدين، او حصل علي قيمة فوائد لدين مستحق له أكثر مما يبيحه القانون، كانت كل هذه خطأ يستوجب مسئوليته.
وللعلم هذا ما كان يتفق مع منطق المذاهب الفردية التي نادت بحقوق طبيعية للانسان، وهذه الحدود مطلقة داخل الحدود المادية لها، تأكيد لحرية الفرد، وتأمينا لاستقلاله. ولكني أويد ما قاله الفقيه الفرنسي بلانيول:-” أن الحق ينتهي حيث يبدأالتعسف”.