المستشار القانوني مينا طلعت … كيف يصاغ التشريع؟
جميعا وجدنا في الحياة نعيش وفق منظومه عدالة نري فيها رجال شرطة، ورجال قضاء، و محامون فسواء فكرنا في هذه المنظومة كيف بدأت؟ او لم نفكر فيها. فنحن نعيش ونتعامل معها بكل إحترام و حذر، لا نريد كسر القوانين ولا حتي خطر في عقولنا الوقوع تحت أي عقوبة.
هل هناك شخص فكر في مفهوم العدالة؟ كيف تكونت؟ كيف تدار؟ من أين تخرج القوانين؟ولمن؟ فإذا كنت مهتم بهذه الامور فربما تجدها في هذه المقالة.
يرتبط تاريخ لغة القانون في مصر بتاريخ وجود”القوانين الوضعية” فيها. وكانت ولاية القضاء في مصر موزعه بين جهات عديدة تطبق كل منها شريعة خاصة بها. فكانت هناك”المحاكم الشرعية”،”المحاكم القنصلية” وهي محاكم أجنبية تطبق كل منها قانون الدولة التي تتبعها. وفي عام 1875 تم إنشاء المحاكم المختلطة وهي محاكم مصرية تؤلف من مصريين وأجانب، ثم نشأت بعد ذلك المحاكم الاهلية في عام 1883.
وبصدور مجموعات القوانين المختلطة، وجدت “لغة القانون الوضعي” في مصر، وكانت اللغة الاجنبية هي المستخدمة في القوانين المختلطة وامام المحاكم المختلطة، في حين كانت اللغه عربية هي المستخدمة في القوانين الاهلية وأمام المحاكم الأهلية. وكان ما يصدر من قوانين ينشر في الجريدة الرسمية بهاتين اللغتين. وقد زال هذا الازدواج في لغة القانون في 15 أكتوبر سنة 1949، وسادت بعد هذا التاريخ لغة القانون العربية في الميدان القانوني في مصر.
وقد مرت لغة التشريع في مصر بمراحل ثلاث:-
1-مرحلة التكوين:- كانت السمة السائدة للغة التشريع في هذه المرحلة هي اتباع الطريقة المقارنة في الدراسة، وقد عُني فقهاء هذه المرحلة بوضع المصطلح القانوني الفرنسي بجانب المصطلح القانوني العربي.
2-مرحلة الازدهار:- تمتد من أول الثلاثينيات حتي أوائل الخمسينيات من القرن العشرين وقد نهج فقهاء هذه المرحلة نهج أسلافهم فقهاء المرحلة الاولي من حيث الإفادة من دراسة القانون المقارن مع الحفظ علي سلامة اللغة العربية القانونية ودقة التعبير بها مع تخير اللفظ و العبارة.
3-مرحلة الارتخاء:- وقد بدأت هذه المرحلة بانتهاء المرحلة السابقة ومازالت قائمة حتي الان وتتلخص سمات لغة التشريع وفي هذه المرحلة: لغة متعجل في كتابتها، يشوبها أحيانا عدم الدقة في التعبير عن المعني، مجردة أحيانا من العناية بإنتقاء اللفظ والاسلوب مع عدم خلوها من الاخطاء اللغوية، ولقد أصبحت هذه الامور سمات عامة في لغة التشريع.
وتكمن صعوبة المشكلات التي يتعامل معها التشريع؛ أن التشريعات دائما تستخدم لحل أمور صعبة ومعقدة بطبيعتها، و يقول الفقيه دريدجر:-” إن الحاجه إلي سن القوانين تنشأ أحيانا للتعامل مع مواقف صعبة جدا، ومن الواضح أنه ما من أحد يمكنه أن يفهم القانون التشريعي ما لم يفهم هذه المواقف”.
وعلي سبيل المثال، قانون الإجراءات الجنائية الذي يتم تعديلات بشأنه الان، والمسئولين يناقشونه بحذر رهيب، بالإضافة إلي قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في مصر والذي تم إعداده منذ زمن طويل وبسبب تعقد المشكلات التي يحاول القانون حلها، والأمثلة كثيرة لا يتسع المقام هنا مناقشتها.
فالتشريع يصاغ عادة لعلاج مشكلة قائمة او لتجنب حدوث مشاكل محتملة. وقد تطرح فكرة التشريع من الجماعات المهتمه بموضوعه، او من الحكومة أو أحد أجهزتها، او من عضو في البرلمان. وعند إجازة فكرة التشريع، يحال الامر الي المختصين لصياغة مواد التشريع. وبعد ذلك، قد يعرض القانون علي الاحزاب، مثلا لإبداء الرأي فيه، او علي الجهات المعنية، مثلما حدث مع مشروع قانون التجارة الجديد رقم 17لسنة 1999الذي عرض علي الغرفة التجارية، او يد يعرض القانون علي النقابة المختصة. ثم يناقش المشروع في مجلس الشعب، ومن المؤكد أنه سيكون هناك دائما تياران، أحدهما مؤيد والاخر معارض. وتتدخل جماعات المصالح للتأثير في صياغة مواد القانون بما يخدم مصالحها. وفي كل هذه المراحل تحدث تعديلات في المشروع الاصلي سواء بالحذف او بالإضافة، ويكون غالبا، بتقييد معاني أجزاء معينة. وهنا تضاف العبارات المقيدة للمعني ناهيك بالعبارات التي كانت موجودة أصلا في المشروع.