الايديولوجيا … بقلم د. محمد مهدي


**الأيديولوجيا**
كتبها د/ محمد المهدي
لا شك أن عمق عقيدة الإنسان هو المحرك الأساسي والمتحكم في سلوكه، الذي يحدد سياسته لنفسه وللآخرين، سواء على مستوى الفرد أو الدولة. فالعقيدة تثمر تصورًا عامًا ينعكس على سلوك الأفراد والجماعات، والدول التي تمثل أكبر نموذج جماعي منظم.
هذا ما يعرف بالأيديولوجيا، والتي تُعرف بأنها النسق الكلي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة.
تسهم هذه الأيديولوجيا في برمجة سياسة عامة تنبثق من الأفكار العقدية وما ينتج عنها من سلوك. يسري هذا المبدأ على كافة العقائد، حيث تتفاعل الرؤى العقدية مع السياقات السياسية والاجتماعية لتشكل مخرجات متباينة.
مفاد هذا المقال هو توضيح أهمية العمل على ضبط التصور العام من خلال رؤية تتناول بحكمة واحترافية القضايا العقدية، بحيث يتم تبني تصور عام يحافظ على المصالح العليا ويحقق الأهداف المنشودة. يتطلب ذلك إلمامًا بحوادث التاريخ التي أضعفت الأمة وقسمتها نتيجة لتطرف التصور العام والسلوك.
لنبسط هذه الفكرة، يمكننا أن نضرب مثلًا عن التصور العام الناتج عن عقيدة إسلامية، والتي تنقسم إلى قسمين رئيسيين: أهل السنة والجماعة من جهة، والشيعة من جهة أخرى. كلا القسمين يمتلك تصورًا يؤثر بشكل مباشر في صناعة الأحداث السياسية والعسكرية.
وربما يزداد الأمر تعقيدًا مع وجود عدو متربص يتربص بكلا الفريقين. فقد شهدنا ما خطط له المستعمر من استغلال لهذه التوجهات، محاولًا تحويل العقائد التي يتستر خلفها إلى أدوات لتحقيق طموحاته الاستعمارية.
إن النجاة لكلا الفريقين تكمن في ضبط التصور العام بما يتماشى مع العلم والصالح العام. وهنا يأتي دور الأزهر الشريف، الذي يسعى جاهداً لجمع صف المسلمين وفتح آفاق للحوار تتجاوز التحديات العقلية والمعرفية التي تواجههم.
الأيديولوجيا أصبحت نسقًا قابلًا للتغير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء أكانت على المستوى المحلي أم العالمي.
ختامًا، من الضروري أن نعي كيف أن العقيدة والسياسة يشكلان معًا تداخلًا معقدًا يجب على الأمم التعامل معه بحكمة وبصيرة لتحقيق السلام والتفاهم بين المكونات المختلفة.