قلق جيل الألفية وما بعده: لماذا تنهار الصحة النفسية للشباب؟ .. د. مي عبد النبي


في زمنٍ يملؤه التقدّم التكنولوجي والانفتاح المعلوماتي، يُفترض أن يكون الجيل الجديد أكثر استقرارًا وسعادة. ولكن الواقع يحمل صورة أخرى مقلقة؛ حيث تزداد معدلات القلق، الاكتئاب، وحتى الأفكار الانتحارية بين الشباب عامًا بعد عام. فماذا يحدث؟ ولماذا أصبح الشعور بالضيق النفسي جزءًا يوميًا من حياة هذا الجيل؟
ثقافة الإنجاز السريع: النجاح صار عبئًا
يعيش الشباب اليوم تحت ضغط غير مسبوق لتحقيق إنجازات كبيرة في وقت قصير. “اعمل مشروعك الخاص”، “سافر العالم”، “كون ثروة”، كلها شعارات تُروج يوميًا عبر وسائل التواصل، لتصنع صورة مثالية يصعب اللحاق بها. ومع كل فشل صغير، يتضخم الشعور بالعجز، ويترسخ في الأذهان أن “الآخرين سبقوك”، فتبدأ رحلة القلق وفقدان الثقة بالنفس.
مستقبل ضبابي.. وحاضر مأزوم
الظروف الاقتصادية الصعبة، وصعوبة العثور على فرص عمل مستقرة، تجعل الشباب عالقين بين طموحات كبيرة وإمكانيات محدودة. عدم الاستقرار، سواء ماديًا أو نفسيًا، يؤدي إلى حالة دائمة من التوتر والخوف من المجهول. كيف يمكن لعقل أن يرتاح وهو لا يعرف إن كان سيؤسس بيتًا يومًا ما أو يظل في دوامة الانتظار؟
وحدة رقمية.. وغياب التواصل الحقيقي
رغم أن “الكل متصل”، إلا أن الشعور بالوحدة أصبح سمة هذا العصر. العلاقات الإنسانية باتت سطحية، وسريعة الزوال. كثير من الشباب يفتقرون إلى من يُصغي إليهم بصدق، أو يشاركهم مخاوفهم دون إطلاق الأحكام. وما بين العزلة والإدمان على الشاشات، تتآكل الحياة الاجتماعية تدريجيًا.
مجتمع لا يعترف بالتعب النفسي
ربما تكون أكبر التحديات أن يعاني الشاب نفسيًا ثم يُلام على ذلك. لا يزال التعب النفسي في نظر كثيرين “دلع”، أو “قلة إيمان”، أو “نقص تربية”. ومع هذا الرفض المجتمعي، يُضطر كثير من الشباب إلى الكتمان، حتى تنفجر الأزمة بصمت، وأحيانًا دون رجعة.
إلى أين نذهب؟
المطلوب الآن أن نعيد النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع الصحة النفسية، خاصة لدى الشباب. نحتاج إلى حملات توعية صادقة، وأدوات دعم حقيقية، وتضمين العلاج النفسي ضمن خدمات الرعاية الصحية الأساسية. والأهم، أن نربي أبناءنا على أن النفس مثل الجسد، تحتاج عناية، ولا عيب في طلب المساعدة حين تسوء الأمور.
ربما يكون هذا الجيل أكثر تعقيدًا من سابقيه، لكنّه أيضًا الأكثر وعيًا. وإذا استطعنا أن نمدّ له يد الفهم والدعم بدلًا من إصدار الأحكام، فسنربح مجتمعًا أكثر توازنًا وإنسانية