فى القطار جلس المسافر مُقضب الوجه عابس الأسارير تسمعه وهو يتنفس بصوتٍ عالٍ تشعر منه أنك أمام ثعبان له فحيح وهنا إلتفت إليه الجالس بجواره سائلاً إياه عن سبب هذا الغضب الهائل. لكنه لم يُجب. ولم يتعدى سوي ثوانٍ كبرهان هائل زلزل المكان. ولفت إنتباه كل المسافرين. بصوت صاخب لمن سأله . أسكت .أسكت. وفي محاولة أخرى من الصديق الذي شعر برأفه تجاه من يجالسه قال له : إهدأ ياأخى ودع الأمور لله صاحب كل الأمور . القادر عليها . والفاعل فيها. وهنا نظر إليه صديقنا بغضب وهو يقولها بتأنى مصحوب بغيظ لم يقدر على إخفاؤه. ماذا تقول؟ .أسمعك تقول الله. اللــــه من هو الله . الله هذا إله غضوب – منشئ الكروب – مغلق للدروب – لا تراه فى الخطوب- يسر بالحروب – مستتر فى الضباب – صانع الخراب – سنان للحراب – لا يعرف للشفقة طريق – والغضب له أعز صديق – مصدر لكل ضيق.
وهنا قاطعه الآخر : كفى – كفى عمن تتحدث ياصديقى ؟ أنت تتحدث عن شخص أنا عرفته وخبرته سنين هذه عددها لم اجد فيه إلا قلب ودود . على المريض يعود . يتخطى بك السدود – ليس لمحبته حدود .
إله رؤوف . بعمل الخير شغوف – غافر الخطايا – شفوق على البرايا – أبو الرأفات – مصدر كل الإحسانات- واهب الخيرات – معطى الهبات – وكل هذا ليس عن إستحقاقات – هذا هو الله الذى نعرفه “أما هُوَ فَرَؤُوفٌ، يَغْفِرُ الإِثْمَ وَلاَ يُهْلِكُ. وَكَثِيرًا مَا رَدَّغَضَبَهُ، وَلَمْ يُشْعِلْ كُلَّ سَخَطِهِ. ذَكَرَأَنَّهُمْ بَشَرٌ. رِيحٌ تَذْهَبُ وَلاَ تَعُودُ .
نعم هذه هي رأفته التى وصفتها قواميس اللغة أنها (: أشَدُّ الرَّحْمَةِ، أو أرَقُّها). نعم فالرأفة طبيعته. ولأنه أبو الرأفة فهو يتعامل معنا برأفته من واقع معرفته بطبيعتنا ” لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ” (مز 103 : 14) وذَكَرَأَنَّهُمْ بَشَرٌ. رِيحٌ تَذْهَبُ وَلاَ تَعُودُ (مز39:7). وفي كل جوانب الحياة العملية نلمس رافته التي تعلن طبيعته. فهو الله الرؤوف يغفر الاثم ولا يهلك وكثيرا ما رد غضبه و لم يشعل كل سخطه (مز 78 : 38)
ومن سبر أغوار الله ليكشف لنا هذا؟ غير أن الله فى محبته أعلن هذا بروحه القدوس ليعلن لنا أن غفرانه نابع من رأفته فاظهر هذا بصورة عملية في صورة رضى يملأ القلب فرحاً وسلام . وبينما وهو في جلاله وعظمته يُظهر عمق محبته. إذ يتعامل معنا بالرأفة المسرورة أو بمعني آخر وهو يفعل هذا يفعله بسرور لأنه (يسر بالرأفة).
ولكى يمتعنا الوحى بطبيعة رأفة الله ونشعر بحلاوتها قدمها لنا بصورة بشرية محسوسة تتفق مع مستوى أفكارنا فقال ” كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ” (مز13:103). هُوَذَا كَمَا أَنَّ عُيُونَ الْعَبِيدِ نَحْوَ أَيْدِي سَادَتِهِمْ، كَمَا أَنَّ عَيْنَيِ الْجَارِيَةِ نَحْوَ يَدِ سَيِّدَتِهَا، هكَذَا عُيُونُنَا نَحْوَ الرَّبِّ إِلهِنَا حَتَّى يَتَرَأَّفَ عَلَيْنَا” (مز2:123)
ولأن الله يعرف طبيعتنا وضعفنا البشرى وهو الله صاحب القلب المملوء حباً بل هو المحبة ذاتها والغافر برأفته يقدم لنا بنفسه الكيفية التى نستطيع بها أن نتمتع برأفته أو قل يفصح لنا عن الجانب البشرى فيقول لشعبه بروحه على لسان يوئيل نبيه “ وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ.١٣وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ”. وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ (يؤ12:2-13)”.
والرأفات الإلهية لا تُعطى بالإستحقاقات البشرية بل هي من صميم الإحسان الإلهى الذى أعلنه داود الملك العظيم فى صلاته “اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ” (مز1:51-2)” وما طلبه داود الملك هو مطلب عام يصلح لجميعنا نوجهه كلنا لله المكتوب عنه ” الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ.٩لاَ يُحَاكِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ.١٠لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا.١١لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ.١٢كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا.١٣كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ.١٤لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ. (مز8:103-14)”
ولأن الله يعرف طبيعتنا ووضعفنا البشرى وهو الله صاحب القلب المملوء حبا بل هو المحبة ذاتها والغافر برأفته يقدم لنا بنفسه الكيفية التى نستطيع بها ان نتمتع برأفته أو قل يفصح لنا عن الجانب البشرى فيقول إرجعوا بالقلب التائب النادم لتتمتعوا برأفتي.