خدمة الروح والكلمةمقالات روحية

في البدء كان الكلمة … د. ق ممدوح ملك

يبدأ القديس يوحنا إنجيله بالقول : “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ”(يو1:1). وفي الأية كلمتان هامتان تستدعيا الوقوف عندهم
الكلمة الأولى (عند)
في المفهوم العادي المتداول تعني موقعاً جغرافياً على سبيل المثال تقول سانتظرك مثلا على محطة المترو
ولكن عندما تذكر في الآية السابقة فهي لاتقدم المسيح الجالس عند الآب أو بجواره ولكنها تقدم لاهوته وإرتباط الآب بالإبن والإبن بالآب.عند وضعها مع قرائنها من آيات اخرى . وسنتناول هذه المعاني كل معنى على حدة للفائدة.
المعني الأول : يفيد المعرفة اليقينية بين الإبن والآب
عندما جاء بعض الصدوقيون الَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ، فسردوا عليه قصة الأخوة السبعة الذين ماتوا الواحد بعد الاخر فقالوا ” فَكَانَ عِنْدَنَا سَبْعَةُ إِخْوَةٍ” (مت25:22) . وهنا دلالة يقينية معرفة هؤلاء الصدوقيين بالإخوة السبعة والحدث نفسه.

عندما بدأ لوقا إنجيله تحدث عن ما كتبه سابقوه الذين كانوا يحملون يقينية المعرفة بالأمور بالقول: “إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا،‏٢كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ” (لو1:1ـ2)

في عظة بطرس يوم الخمسين عندما تحدث عن جذور المسيح الجسدية انه من نسل داود يؤكد معرفته بمكان قبر داود بالقول:
” وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هذَا الْيَوْمِ” (أع29:2).

يقينية معرفة بولس الرسول لقوة الله في كلمة الصليب فقال:(1كو ١:‏١٨) “فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ”

يقينية معرفة ثبات وصدق الكلمة النبوية. وهذا ما قاله الرسول بطرس: “(2بط ١:‏١٩) “وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ”، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،

يقنية معرفة عدد التلاميذ بما هو متاح لديهم من خبز فقالوا: (لو٩:‏١٣) “فَقَالَ لَهُمْ:”أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا”. فَقَالُوا: “لَيْسَ ‍عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ، إِلاَّ أَنْ نَذْهَبَ وَنَبْتَاعَ طَعَامًا لِهذَا الشَّعْبِ كُلِّهِ”

يقينية معرفة الذين التقوا مع بولس في روما عن إضطهاد المسيحية: (أع ٢٨:‏٢1-22) “فَقَالُوا لَهُ:”نَحْنُ لَمْ نَقْبَلْ كِتَابَاتٍ فِيكَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَلاَ أَحَدٌ مِنَ الإِخْوَةِ جَاءَ فَأَخْبَرَنَا أَوْ تَكَلَّمَ عَنْكَ بِشَيْءٍ رَدِيٍّ . ‏٢٢وَلكِنَّنَا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَسْمَعَ مِنْكَ مَاذَا تَرَى، لأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ هذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَاوَمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ”.

يقينية معرفة وصية المحبة: (1يو ١:‏٥) “وَالآنَ أَطْلُبُ مِنْكِ يَا كِيرِيَّةُ، لاَ كَأَنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكِ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلِ الَّتِي كَانَتْ ‍عِنْدَنَا مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا”.

والآيات التي قالها المسيح عن علاقة المعرفة المتبادلة بينه وبين الله الآب توضح هذا
( يو١٠:‏١٥) “كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ”.
( يو١٧:‏٢٥) “أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ، إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ ‍يَعْرِفْكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ، وَهؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي”.
( لو١٠:‏٢٢) “وَالْتَفَتَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ:”كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الابْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ”.

المعنى الثاني لكلمة (عند): الإعلان الأسمى
ويسمو بنا الإعلان فوق كل فكر البشر ليوضح لنا أن الكلمة “عند” ليست فقط مجرد إثنين يعيشان معاً . أو يقدم جغرافية مكانية واحدة . بل هي علاقة متصلة . يشرحها المسيح بنفسه .

1- فهو الشريك في كلماته: (يو38:8) “أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ”

2- وعاملاً ذات أعماله
(يو32:10) ” أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:”أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟”

3- وفي ملء الزمان من عنده خرج
(يو3:13 ) ” يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي”
(يو27:16-28) “لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجْتُ.‏٢٨خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَيْضًا أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ”.

(يو 8:17) “لأَنَّ الْكَلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ، وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ، وَآمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي” والخلاصة إن كان المسيح له علاقة تبادلية معرفية مع الله الآب وكما سبق القول من عنده خرج وإليه يعود فهو إذا شخص الله.

المعنى الثالث: يفيد المساواة بين الإبن والآب
“وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا:”مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟‏٥٥أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟‏٥٦أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟”‏٥٧فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ:”لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ”(مت ١٣:‏٥4-٥7). وقد تكرر ذات الموقف في (مر3:6). ولقول أهل كفر ناحوم دلالته المقصودة أن هذا الشخص وأهله نعرفهم ويعيشون بيننا ومثلنا تماماً. يتساوون معنا في أعمالنا كصيادين . وفي عدم تعليمنا الكافي. وليس فينا ولا فيهم دارس ولا مُشرع. لذلك عندما يقول يوحنا عن الإبن “كان عند الله” كان يقصد التعريف أعلاه.

المعنى الرابع اللغوي
الكلمة المترجمة “عند” هي الكلمة اليونانية “πρός” (pros)، التي تحمل معنى “باتجاه” أو “في علاقة مع”.هذا يشير إلى علاقة حميمة ووثيقة بين “الكلمة” (اللوغوس) والله. ويُظهر النص أن “الكلمة” ليس مجرد فكرة أو قوة، بل شخص حي في شركة مع الله الآب. وما قاله الإبن بنفسه يوضح هذه العلاقة بقوله:
(يو ٣:‏٣٥) اَلآبُ ‍يُحِب الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ.
(يو ٥:‏٢٠ لأَنَّ الآبَ ‍يُحِب الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ.
(يو ١٠:‏١٧) لِهذَا ‍يُحِبنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا.
(يو ٥:‏١٧ ) فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ:”‍أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ”.
(يو ٥:‏١٩ ) فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ:”الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ ‍يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ ‍يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا ‍يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
×